اتمنى ان تصل قصة نهلة لكل شاب وشابة في مصر وأن يقرأوها ويفهموا الدرس المستفاد منها ويطبقوه. نهلة النمر ذات الوجه الدائر البشوش الذي يبث أمل وسعادة واقبال على الحياة وعزيمة فتاة يتيمة ولكنها قررت منذ صغرها ان لا تعيش دور الضحية ولا ان تقبل القوالب والحدود المفروضة عليها من المجتمع بغير حق بحكم وضعها الذي لم يكن لها اي يد فيه في الأصل وأن تبدأ بنفسها وتستعمل ظروفها كأداة للتغيير فنجحت وانتصرت والآن تعمل على تحسين وتغيير وضع غيرها وتوعية المجتمع. فخورة وسعيدة جدا اني تعرفت على شخصية مثلها واليكم قصتها التي أدعو ان تلهمكم كما الهمتني….ل
نشأت بدار أيتام منذ أن كان عمري سنتين، وكانت من أهم التحديات التي واجهتني كطفلة يتيمة هي إدراكي بان الأيتام مصنفين في مجتمعنا على أنهم درجة أقل من الناس وكان ده بيظهر قوي في تعاملات كل اللي حولينا وفي نظراتهم اللي بنحس بيها بالشفقة أو الخوف أو حتى الاتهام وكأننا السبب الرئيسي لظروفنا
كل ده كنت بشوف ترجمته في معايرة الناس ليا انا واخواتي بأننا البنات ” بتوع الملجأ” أو حتى عدم تقبلهم لحقيقة ظروفنا لمجرد اننا متربيين في دار أيتام، على الرغم من أن كان معايا في المدرسة والجامعة أطفال/ شباب أهاليهم متوفيين لكن اكتشفت ان حتى الأيتام نفسهم مصنفين لو انت” يتيم الأم أو الأب أو الإثنين” بس عايش في أسرة فهتلاقي يافطة اهلا بيك في مجتمعنا لكن لو كنت تربية دار أيتام بغض النظر عن الظروف اللي حطيتك في المكان ده فأنت غير مقبول مجتمعيا
وطبعا عشان نكون مقبولين مجتمعيا كان لازم نعمل بتر لهويتنا ونخلق هوية جديدة “اسم، عائلة وحتى سكن ” وحقيقي الموضوع ده كان بينجح بس الكذب أو حتى نص الحقيقة كان شيء مستفز ومرهق وظالم وده وصلني أني أكره ” يتمي” كانت كلمة يتيمة كلمة قبيحة بحاول اتخلص منها، كانت عبء وحمل ومش عارفة أنكره ولا قادرة احبه
ححكيلكم موقفين من واقع طفولتي. أول موقف لما كنت في المدرسة الإبتدائية في الصف الثاني الإبتدائي كان معايا في الفصل تلميذ اسمه عمرو انا كنت اشطر بنت في الفصل وفي المدرسة، وعمرو كان حظه في التعليم سيء وكانت كمان اخلاقه صعبة وفي نفس الوقت عمرو مكانش بيحبني خالص وكان عنده مشكلة معايا مش عارفة ليه. المهم الفصل الدراسي الجديد عمرو مكانش معانا في الفصل وعرفنا ان والده طلعه من المدرسة وشغله في ورشة ميكانيكا وكانت الورشة دي بعدي كل يوم عليها انا واخواتي واحنا رايحين المدرسة .. كل يوم وانا رايحة المدرسة عمرو كان بيستناني على اول الطريقة ومن بعيد يفضل يقولي “انتي يا بتاعة الملجا … نهلة يا بتاعة الملجا” وانا من كسوفي واحراجي وزعلي كنت بستخبى وسط اخواتي فيفضل يقول انتوا يا بتوع الملجأ …ل
عمرو ملاقاش اي حاجة ممكن تحسسني بالإهانة والإحراج أكتر من كلمة “يا بتاعة الملجأ” وبصراحة كان عنده حق، على الرغم من اني كنت الطالبة المثالية والكل بيحبني لكن كلمة ” تربية دار أيتام” كانت كفيلي بكسري وإهانتي. والحقيقة اللي اكتشفتها ان رغم تفوقي والتزامي اخلاقي أنا بالنسبة لعمرو كنت صفر عالشمال لمجرد اني اتربيت في دار ايتام
والحقيقة الأكبر اني اكتشفت في حياتي العديد من عمرو برضه كانت الناس بتقف عند فكرة اني اتربيت في دار أيتام ومبتقدرش تكمل بعد الكلمة دي اي موضوع تاني
لما كنا بنرجع البيت ونشتكيلهم ان في ناس في الشارع بتعايرنا وبتقولنا اننا من الجمعية أو بيقولولنا ” يا بتوع الملجأ ” وهي الكلمة اللي مبحبهاش لحد دلوقتي كان دائما الرد بيكون وفيها ايه لما تكونوا من دار أيتام بالعكس قولوا لأصحابكم انكم ليكم الفخر إنكم ايتام بس عمرهم ما قالولنا ايه اللي في ظروفنا يستاهل اننا نفتخر بيه ، ولما هي فخر لينا انا ليه بتكسف منها وبتضايق لما حد يجيب سيرتها ، ولو هي حلوة غيري بيعايرني بيها ليه
الموقف الثاني وانا عندي 8 سنين كنت انا واخواتي في الدار راجعين من رحلة مع صاحبة الدار وجاءت ام بديلة بتبلغها ان واحدة من اخواتي الأكبر مني نجحت في المرحلة الإعدادية وبتاخد رأيها هنقدم ملفها في مدرسة ثانوي إيه؟؟؟؟ صاحبة الدار بلامبالاة بصت لها وقالت لها يعني هتدخل ايه !! دخليها تمريض زي اخواتها. وقتها هي مبصتش لفلانة وتقولها تحبي تدرسي ايه ؟ أو حتى عاجبك إختياري اللي أنا اخترته ؟ ولا حتى فلانة دي اهتمت وكأن القرار ده ميخصهاش. ثم الكارثة الأكبر كانت بالنسبة لي في جملة ” زي اخواتها ” يعني ايه يعني كلنا هنبقى شبه بعض ، كلنا هنمشي على نفس الطريق ، كلنا تمريض !!!
وقتها قررت أن لما الدور ييجي عليا انا مش هدخل تمريض ، وهختار مدرستي بنفسي …. بعدها بخمس سنين وبعد ما انتهت مرحلة الاعدادية وكنت جايبة مجموع عالي ومروحة البيت وانا فرحانه وهما كمان كانوا مبسوطين بنتيجتي أول سؤال أو تقريبا قرار .. ها بقى نقدملك ورقك في تمريض ؟!! أنا : لا طبعا انا مش عاوزة ادخل ثانوي تمريض. هم : يعني عاوزة تدخلي ايه ؟ بصي احنا هنديكي اختيارات بما أنك اشطر بنت عندنا ( ثانوي صناعي / تجاري / دبلوم معلمات). أنا : لا. هم : يعني عاوزة ايه ؟؟؟ أنا : عاوزة ادخل ثانوية عامة. وهنا كانت الطامة الكبرى يعني ايه ثانوية عامة ، ثانوية عامة لأ ، ثانوية عامة كبيرة عليكي ومش هتقدري عليها !!! هو انا ازاي اشطر بنت في المنطقة التعليمية ، مش بس على نطاق مدرستي وثانوية عامة تبقى مش على قدي
اكتشفت في اللحظة دي ان المشكلة مكانتش في عمرو ولا في الناس اللي بره. ده كمان اللي بيربوني شايفني ناقصة ، شايفين ان المفروض ان يكون في حدود للأيتام ….عشان كده بالنسبة لهم ثانوية عامة لأ
انا كنت محوشة 15 جنية أخدتهم ورحت سحبت ملفي من المدرسة الإعدادية ، وقدمته في المدرسة الثانوي ودفعت الفلوس وكان قدامي مهلة 3 أيام أقرر فيهم هدخل ايه غير الثانوية العامة. بعد 3 ايام وقفت قدامهم وقولتلهم ” أنا قدمت ملفي في مدرسة ثانوي عام ، ودفعت 15 جنية …. أنا عاوزة فلوسي “
كنت فاكرة في اللحظة دي ان الدنيا خلاص اتفتحت وده كان اكبر تحدي وكده خلاص ، لكن للأسف المشكلة كانت اكبر من كده المشكلة كانت في الجامعة والشغل هيتعاملوا معايا ازاي وانا جاية من دار أيتام. على الرغم من أن كان معايا في المدرسة والجامعة أطفال وشباب أهاليهم متوفيين لكن حتى الأيتام نفسهم مصنفين لو انت” يتيم الأم أو الأب أو الإثنين” بس عايش في أسرة فهتلاقي يافطة اهلا بيك في مجتمعنا لكن لو كنت تربية دار بغض النظر عن الظروف اللي حطيتك في المكان ده فأنت غير مقبول مجتمعيا
في يوم من الأيام سيدة متطوعة في الدار اللي انا كنت فيها قالتلي يا نهلة في مكان بيشتغل على قضية الأيتام ومحتاجين يسمعوا المشاكل والتحديات اللي بتقابلهم في حياتهم، ومحتاجين يسمعوها أكتر من شباب كبار ايه رأيك تروحي. بصراحة انا رحت مجاملة ليها مش اكتر وعشان انا وعدتها ، ورحت انا وأختي وكان في شباب أيتام غيرنا من دور مختلفة موجودين وكانت الجلسة كويسة مش جديدة على عالم الأيتام بس كويسة . اختي واحنا ماشيين قالتلي الناس دول لطاف قوي وودودين تصوري نفسك لو تشتغلي في المكان ده. فورا قولتلها : الناس حقيقي لطيفة وجميلة ومبتسمة بس اي حاجة هترجعني لعالم الأيتام تاني … لأ
حضرت بعد كده في نفس الجمعية دي ورش عمل كتيره وكنت بحس بحاجة غريبة. وكانت نقطة التحول في حياتي يوم ما الجمعية كانت عاملة حفلة بمناسبة برنامج تنمية الشباب الأيتام ” فرصة” وكان المفروض ان مجموعة من الشباب الأيتام يتكلموا عن التحديات اللي بتقابل الأيتام ، وايه هي أحلامهم
بعد مناقشات بيني وبين الشباب وهنقول ايه اتفاجأت في الأخر ان ولا واحد فيهم واخد قرار انه هيتكلم في اليوم ده ، في اليوم ده بالذات اكتشفت اننا كأيتام ظالمين نفسنا اكتر من المجتمع ، ظالمين نفسنا بالسكوت ، ظالمين نفسنا بدور الضحية المجتمعية اللي احنا عشناه لحد ما بقيناش قادرين نطلع منه واكتشفت اني طول الوقت لغاية اللحظة دي كلامي ومشاعري كانت بيني وبين نفسي لأني حاسة ان المجتمع ظالمني من غير ما اعرف السبب واننا كأيتام عمرنا ما اتكلمنا عن مشاعرنا ولا عن ظروفنا وتربيتنا صحيح هي صعبة بس عشان اقدر اتعامل مع اللي قدامي لازم يسمعني واسمعه
وقتها قلت للشباب دول : على فكرة الناس الموجودة في الجمعية بتعمل شغل هايل وصعب بس في الأخر هما ما يعرفوش اي حاجة عن واقع حياة الأيتام مشاكلهم ، تحدياتهم النفسية ، كل شغلهم لو احنا مساعدناش مش هيجيب نتيجة. عشان كده قررت اني هبدأ بنفسي انا هتكلم ، هكسر حاجز الخوف اللي جوايا من كلمة ” تربية دار الأيتام” وهتكلم لحد ما ييجي الوقت إن شباب تانيين يقدرو ياخدوا الخطوة ويتكلموا وعشان كده بعدها بـ10 شهور قدمت على وظيفة في جمعية وطنية لتنمية وتطوير دور الأيتام
وقوفي قدام ناس وكلامي عن مشاكل وتحديات الأيتام على قد ما كان صعب بس النتائج كانت مذهلة اكتشفت ان كتير من الناس مكنتش عارفة العالم ده ماشي ازاي كانت بتتعامل مع قشور المواضيع اللي موجودة على السطح لكن لما عرفت مفهومها ونظرتها بدأت تتغير ، النظرة اختلفت وكل ما اتكلمت اكتر كل ما النظرة بتتغير اكتر
في يوم وانا في الجمعية كان عندنا اجتماع مع ناس من جامعة ما 2 دكاترة شباب عاوزين يطورا دار أيتام على نفس نهج جمعية وطنية وانا حضرت الإجتماع معاهم ومع مديرتي ، ورئيسة مجلس الإدارة ودي كانت أول مرة اقابلهم لأن مكنتش كملت شهر في الشغل ، المهم هما عرضوا فكرتهم وكانت جميلة جدا وراقية وكل الموجودين قالوا رأيهم وبعدين رئيسة مجلس الإدارة قالتلي نهلة انتي رايك ايه : فقلت لها انا شايفة الفكرة رائعة ولو فعلا اتنفذت يبقى مستقبل الأيتام هيتغير .
فبصت لهم وقالتل لهم لو نهلة وافقت عالفكرة معنى كده اني ارتحت لأن نهلة خريجة دار أيتام وهي أقدر واحدة على تقييم فكرة زي دي … وقتها لقيت الإثنين دول بصولي نظرةغريبة جدا اول مرة اشوفها في حياتي. وانا مروحة البيت عمالة افتكر نظرتهم ليا واصنفها هي مكانتش شفقة ولا اي صعبانيات بالعكس دي كانت نظرة اندهاش واعجاب وفخر واكتشفت انها غريبة عني لأن محدش بصلي بالطريقة دي قبل كده وقلت لنفسي “انا عاوزة من ده !عاوزة الناس تبصلي كده” وده اتحقق بس لما الناس سمعتني وشافت زاوية مختلفة لمستقبل الأيتام
معظم اخواتي اللي كانوا معايا في الدار قرروا ان أفضل طريقة عشان نخلص من عار الدار هو اننا نتجوز وفعلا كان كتير منهم بيقبل بأي حد عشان بس يطلع من الدار وتبدي حياة بعيدة عن عالم الأيتام ودايما كنت بسأل نفسي هو ده الأخر يعني هي دي النهاية، اتجوز، طيب ولما هو الموضوع كده ليه ربنا حطنا في الظروف دي اشمعنا احنا، يعني انا مستحملة كل اللي فات ده عشان في الأخر استخبى وراء اسم راجل واسمي انا هيروح فين، ومين قال ان كده المشكلة اتحلت ومين قال ان هو ده الحل أساسا، ده ظلم وانا مش هينفع أظلم نفسي صحيح انا مش عارفة ايه اللي مستنيني لكن انا متأكدة أن دي مش نهاية المطاف
أنا أدركت ان حل المشكلة الأساسية عندي انا ” والخطوة الأولى كانت لازم تبدأ من عندي قبل ما أطالب غيري بيها، وعشان كده دلوقتي الدنيا اختلفت معايا تماما عن بداية الحكاية
أحب أقدملكم نفسي. أنا نهلة النمر، حاصلة على بكالوريوس خدمة اجتماعية، وحاصلة على شهادة مهنية معتمدة دوليا من بيرسون في مجال تعزيز نمو الطفل وهي الشهادة الأولى من نوعها في الشرق الأوسط. عندي 33 سنة. مستشار لجنة التحكيم لجائزة ” البيت الحلم لأفضل المؤسسات الإيوائية” كممثلة عن الشباب الأيتام والتي أطلقتها جمعية وطنية. ومن خلال عملي بقدم ورش عمل توعوية للمتطوعين للتعرف على آداب التعامل. مع الأيتام “الأصول بتقول”
تمت استضافتي في “تيدكس كايرو ويمن” كأحد القصص الملهمة للتحدث عن كيفية كسر حاجز الخوف ومواجهة المجتمع والتغلب على التحديات التي تواجه اي شاب / شابة نشأوا بدار أيتام كما قمت بتمثيل جمعية وطنية لتنمية وتطوير دور الأيتام والشباب الأيتام لاستلام جائزة أم بي سي الأمل ” انت الخير” بدبي في يناير 2015 ودلوقتي مرشحة لمبادرة “صناع الأمل” المقدمة من الشيخ راشد بن آل مكتوم والتي تهدف بشكل رئيسي إلى إلقاء الضوء على ومضات الأمل المنتشرة في عالمنا العربي