أول مرة أشوف نيللي كان في مؤتمر كايرو تيدكس للمرأة. كانت الكلمة بتاعتها عن أنواع الذكاءات المختلفة وازاي ان كل انسان ذكي بطريقته. كلمتها فكرتني بمقولة اينشتاين الشهيرة “كل الناس عباقرة ولكن لو حكمنا على السمكة حسب مقدرتها على تسلق الشجر ستظل طيلة حياتها معتقدة انها غبيه” نيللي مثال يحتذى به لمرأة ناجحة ومتزنة ومثابرة. تعمل في مجال بالنسبة لها فيه شغفها وهدف حياتها. أفتخر أن أقدم اليكم قصتها
قضيت طفولتي بتنقل بين أماكن مختلفة حوالين العالم لأن مامتي وبابايا كانوا بيشتغلوا في الخارجية المصرية وبالتالي عشت ما بين موسكو ومالطا والكويت وغيرهم وآخر مكان كنا قيه كان غانا.. رُحت 6 مدارس قبل ما أدخل الجامعة
أهلي كان لهم دور مهم جداً في حياتي. التنقلات الكثيرة كانت صعبة عليا أنا وأخويا أوي فكانت مامتي دايماً تشجعنا إن أحنا نفضل على إتصال بأصحابنا وده كان قبل عصر الأنترنت والفيس بوك. كانت بتتابع معانا على طول بنرد ولا لاء على الجوابات اللي بتجيللنا. وبابايا كان هو اللي بياخد الجوابات وهو نازل الشغل يوصلهم البريد. فكرة إنك لازم تبذلي مجهود عشان تحافظي على العلاقة كانت حاجة ماماتي مهتمة جداً أنها تغرزها فينا. وفعلاً لسه على إتصال بأصحابي وعندي أصحاب من كل العالم. ودلوقتي شريف جوزي يعرفهم ولما بنسافر أو لما هم بيجوا مصر بنقابلهم
وكمان أهلي عمرهم ما فرقوا بيني وبين أخويا وعلمونا الإستقلالية في إتخاذ القرارات. وكانوا دايماً أي حاجة لها علاقة بينا يعملوها هما الأتنين مع بعض، يعني مثلا لو في حفلة في المدرسة لازم يجوا هما الأتنين مهما كان الدور اللي بقدمه في الحفلة صغير
نتيجة لطفولتي إتعرضت لثقافات كتيره من وأنا صغيرة فإتعلمت من بدري أوي إن كل واحد عنده اللي يقدمه ويميزه وإن الحاجات اللي بتجمعنا كبشر أكتر بكتير من إختلافنا. واتعلمت من وأنا صغيرة ان كل واحد مميز وجميل زي ما هو واني مقارنش ومحطش الناس في قوالب تشبيهيه وأقول ” ده أحسن” أو “ده أشطر” أو “ده أذكى”
رجعت مصر وقت الجامعة ودخلت الجامعة الأمريكية ودرست إقتصاد عشان كنت بحبه أوي ولإن أهلي كانوا دايماً بيعلمونا حرية الإختيار فإخترت التخصص اللي بحبه وعندي شغف فيه. ولكن لإن درجاتي كانت عالية فكانت الناس في الجامعة كثير أوي تقولي “خسارة تدخلي إقتصاد طالما مجموعك عالي ليه مدخلتيش إدارة أعمال؟” طريقة التفكير دي لغاية النهارده بتحسسني بقهر غريب لشغف ومواهب وحرية الاختيار عند الناس لمجرد أفكار المجتمع معتبرها ثوابت ومتعارف عليها ومهياش ثوابت خالص
طول عمري بحب أعمل أكتر من حاجة في نفس الوقت وعشان كده من قبل ما أتخرج وأنا بشتغل في الجامعة في قسم إستشارات الطلاب للتوظيف. كنا بنساعد زملائنا إنهم يكتبوا السيرة الذاتية بتاعتهم، ويتحضروا للمقابلات الوظيفية. إتخرجت من الجامعة عندي 20 سنة وقدمت على منحه عشان أعمل الماجيستير عن دراسة الإقتصاد في منطقة الشرق الأوسط. وكان شرط في المنحة اللي حصلت عليها إني أشتغل في الجامعة
كان شغلي في الجامعة مش كتير وده أتاح ليا الفرصة إني ممكن أشتغل في مكان ثاني أحقق فيه شغفي. وفعلاً وأنا عندي 21 سنة إشتغلت في الأميدإيست كمستشار تعليمي، في نفس وقت الماجيستير وشغل الجامعة. كنت كثير بضطر أمشي بدري من الشغل عشان أروح الجامعة أحضرمحاضراتي أو أخلص شغلي وبصراحة الناس في الأميدإيست كانوا متفهمين وداعمين لي جداً
فضلت في أميدإيست ست سنين ونص. الإدارة اللي كنت فيها كانت بتعمل إستشارات وإدارة المنح الدراسية. اكتشفت منها إني بحب جداً شغل الإستشارات ومقابلة ناس جديدة. كنت شغوفه جدا بأني أساعد الناس إنهم يختاروا ويحددوا مستقبلهم، وإنهم يتقبلوا في جامعات كويسة. كنت سعيده أوي اني جزء صغير أوي في مساعدة الناس دي إنها تغير حياتها للأحسن
من أحلى الحاجات في شغلي إني قابلت شريف جوزي. شريف كان جاي يدور على جامعة مناسبة يعمل فيها ماجيستير إدارة أعمال. ساعدته لغاية لما لاقى منحة مناسبة وإتقبل فعلا بس في نفس الوقت حصلت أحداث 11 سبتمبر فالفيزا إتأخرت ومالحقش يسافر رغم إنه ساب شغله عشان السفرية دي. طبعاً الأحداث دي وقتها كانت بالنسبه لنا مشاكل وتحديات بس في الحقيقة هي اللي أدت لترتيبات تانية خالص وأحسن بكتير
إتجوزنا وبعد ما إتجوزنا بسنة سافرنا الدوحة. شريف كان بيشتغل في دار الهندسة وأنا إشتغلت مع أي أي أيه في مشروع لتأسيس مكتب للبعثات و المنح الدراسية. استمريت في الشغل ده لمدة 6 شهور بس جو الشغل ماكنش مناسبني خالص. ودي كانت من التحديات الكبيرة وقتها في حياتي، وإتعلمت إن الواحد لما بيكون فعلاً مجتهد وبيعمل اللي عليه أد إيه كل حاجة بتتسهل. في الوقت ده جتلي شغلانة تانية في جامعة جورجتاون وبالرغم إن نقلي من شغل لشغل ماكنش سهل وحصل شوية مشاكل لكن جامعة جورجتاون قدمت لي كل الدعم والتشجيع حتى من قبل ما أشتغل معاهم واستنوني 4 شهور رغم احتياجهم الشديد ليا في الوقت ده. فضلت في الشغل ده 3 سنين لغاية ما رجعنا مصر في 2008. شريف كان خلص ماجستير ادارة الأعمال و غير مجال شغله وجاتله فرصة كويسه في مصر في مجاله الجديد. فترة الدوحة كان فيها تعلمات كتير جداً في خبرة الشغل وفي التعامل مع الناس واتعلمت ان زي ما في ناس ممكن ماتقدرش نجاحك خالص في ناس تانية هتقدر وهتساعدك وهتدعمك في كل خطوة
لما رجعت مصر ابتديت أدور على شغل بس إكتشفت إني حامل في ليلى بنتي وكان صعب إني أبدأ في مكان وأنا حامل. ابتدى يجيلي شغل إستشارات مختلفة بس مش حاجة ثابتة ودي كانت فرصة كويسة جداُ ليه لأني كنت بشتغل وفي نفس الوقت عندي وقت كافي مع ليلى. في الوقت ده جت مصر جامعة هارفرد وقدمت برامج لها وكان من ضمن البرامج دي برنامج من كليه التعليم. كنت مبهورة بالبرنامج جدا بس التحدي ان البرنامج كان غالي جدا و مطلوب امتحان جي أر أيه وهو امتحان صعب جدا وكنت لازم أسافر أقضي سنه كامله في أمريكا في الجامعة. لما حكيت لشريف شجعني جداً واتفقنا أذاكر للامتحان و أقدم ولو اتقبلت اخذ ليلى معايا. هارفرد أصلاً بتقبل 3% بس من المتقدمين وفعلاً قدمت وإتقبلت. كان التحدي بعدها إني لازم أدور على منحة، وفعلاً إجتهدت لغاية لما أخدت مش منحة واحدة ولكن كذا منحة. واحدة دراسية وواحدة تانية للإقامة. وكنت بدور على واحدة تكون بتغطي مش بس اقامتي بس إقامة ليلى والحضانه بتاعتها كمان
وجاء ميعاد السفر وبدأت الرحلة. لما بنظر لها دلوقتي بحس قد إيه ربنا وفقني في دراستي وفي الناس اللي وقفوا جنبي. إتوفقت جداً في حضانة بتاعة واحدة ست عملاها في بيتها واخدت شقة جنب الحضانة. شريف جي معانا في الأول وجبت كل العفش من أيكيا في 8 ساعات وركبناه في يوم واحد. وبعد فترة قصيرة رجع شريف وفضلت أنا وليلى لوحدنا. طبعاً مريت بتحديات كبيره جداً من ضمنها ان ليلى كانت بتعيا كتير أوي وإكتشفت إنها عندها أزمة صدرية فلما بيجلها برد كانت بتتعب أوي، وطبعاً الأطفال في السن ده أول لما بيروحوا الحضانة بيتعبوا كتير جداً. فاكرة أيام ما كنت بأخد ليلى الطوارئ في نص الليل وأخذ المذاكرة معايا
ربنا سخرلي ناس كتير تساعدني. صاحبة الحضانة “جودي” كانت هدية من ربنا ليه في الفترة دي. كان في أوقات بأضطر إني أتأخر في الجامعة وكنت أبعت لها أسألها لو ينفع ليلى تفضل عندها لغاية لما أخلص وطبعاً ده ماكنش ينفع في الحضانات التانية بل بالعكس كان أي تأخير حيتحسب بالدقيقة. ولما كانت ليلى بتتعب كانت جودي بتبعثلي حد من المساعدين بتوعها تقعد معاها في البيت لغاية لما أروح المحاضرة وأرجع
ومن الحاجات اللي مش ممكن أنساها، في هارفرد في حاجة إسمها “شاتل باص”. الأتوبيس ده الصبح مخصص لذوي الإحتياجات الخاصة وبعد الساعة سبعة بيكون وسيلة مواصلات آمنة للطلبة في المنطقة اللي حول الجامعة عشان محدش يمشي لوحده بالليل. أنا كنت بستخدمه كتير وبقوا السواقين عارفني وعارفين ليلى. كان في واحد منهم إسمه “جيم”، كان يكلمني الصبح لو الدنيا بتمطر أو في تلج ويسألني لو ماكنتش وصلت ليلى يعدي عليا يوصل ليلى عند جودي ويوصلني الجامعة
حتى زمايلي رغم إني كنت أكبر من معظمهم. كانوا البنات ممكن يقسموا نفسهم مين يقعد مع ليلى لو أنا عندي بحث أو محاضرات متأخرة. أو ممكن واحدة تجيبلي الدواء لو ليلى عيانه. حتى الدكاترة في الجامعة كانوا متعاونين معايا جدا وبيسندوني. كان ممكن أبعت أقول إني متأخرة شوية عشان بنتي تعبت وممكن أقدم البحث متأخر شوية. صحيح عمري ما إتأخرت بس هما كانوا دايماً متفهمين. ومرة دكتور بعت لي قالي مفيش حاجة أهم من صحة بنتك. هم برضه كانوا عارفين إني مجتهدة ومش بتدلع عشان كدة كلهم كانوا بيساعدوني
علشان أقدر أوازن وأنظم وقتي كنت بحاول أتعامل مع مواعيد الجامعة زي مواعيد الشغل فاشتغل من 9 ل 5 ولو ليلى نامت بدري ممكن أقعد أذاكر شوية ثاني بعدها
وكمان وانا في امريكا بدأت مشروع صغير مع زملائي عبارة عن موقع تعليمي على الانترنت بيعلم المهارات المطلوبة للإلتحاق بالشغل. بدأنا المشروع في فبراير 2012 وقعدنا سنتين والموضوع مكملش بس اتعلمت حاجات كتيره أوي من المشروع ده
وبكل الأوقات الحلوة والصعبة خلصت السنة واتخرجت. شريف ومامتي وبابايا جم من مصر مخصوص عشان يحضروا حفلة التخرج معايا. هارفرد من الجامعات اللي بتوافق إن ممكن بنتي تمشي معايا وأنا بستلم الشهادة. جبت لليلى لبس تخرج وأنا كنت عايزها تكون معايا لأن إحنا كنا في السنة دي مع بعض فكان مهم نتخرج مع بعض
شريف إقترح عليا إن إحنا نعمل شركة تقدم الإستشارات و تساعد الطلاب للدراسة في الجامعات برة مصر وبدأناه فعلا. وفي نفس الوقت شريف قدم على دراسات عليا في هارفرد في تخصص السياسة و الادارة العامةفي قطاع العقار و الاسكان وسافرت معاه أنا وليلى. والصدفة الحلوة إن إحنا سكنا في نفس البيت وبنفس العفش. المرة دي جاتلي الفرصة إني أشوف حاجات كتير في البلد لأني لما كنت لوحدي تقريباً ماكنتش باخرج برة الجامعة. وكمان كانت فرصة حلوة إني أحضر كورسات كان نفسي أحضرها وكان دايماً في أحداث مشوقة أحضرها. مثلاً هيلاري كلينتون جاية عشان تمضي الكتاب بتاعها أو أوباما جاي يدي محاضرة. كنت في الفترة دي ماينفعش أشتغل بسبب نوع الفيزا بتاعتي فكنت بعمل حاجات تطوعية. وفي السنة دي كمان كنت حامل في إبني ياسين
في الفترة دي في مصر الشركة بتاعنا كانت شغالة كويس بسبب أن مرة كمان كان في حد واقف جنبنا و هي مديرة شركتنا,داليا. ولما رجعنا بعد ما شريف خلص وأنا ولدت ياسين ابتديت أركز مع شركتنا أكتر وأنميها. الشركة بتاعتنا حاليا بتقدم استشارات تعليمية و دورات استعداد للامتحانات المختلفة و خدمات للجامعات اللي برة مصر اللي عايزين طلاب مصرىىن و كمان بتدير منحةيسرية لوزا من مؤسسة ساويرس. المنحة بتبعت طلبة مصريين لجامعة في أمريكا عشان يعملوا ماجيستير هناك وإحنا كان دورنا إن إحنا ندير المنحة دي، من أول إستمارة التقديم لغاية مقابلة المتقدمين والإختيار منهم. الحمد لله اتوفقنا جدا والسنة دي مضينا لتالت سنة على التوالي معاهم
وفي حاجات ثانيه بنعملها على التوازي فمثلا بنراجع على المحتوى الدراسي لأجزاء من مناهج مدراس النيل وبنعمل تقييم للدكاترة في التعليم المستمر في الجامعة الأمريكية. مش تقييم على المادة العلمية ولكن عن الطريقة التعليمية. أنا مقتنعة ومصدقة إن مفيش طريقة واحدة لتقييم البني آدم لو ذكي أو شاطر ولا لأ. وإن كل الناس شاطرة بطرق مختلفة ودائما في شغلي لما بنصح حد يتجه لجامعة معينة بقول له مش لازم الجامعة تكون أحسن على مستوى العالم ولكن لازم تكون الأنسب لك
لو رجع بيه الزمن كنت أحب أدي لنفسي وقت أكتر. أنا طول عمري بعمل حاجات كتير في نفس الوقت وكنت هانصح نفسي إني أقف وأقيم كل فترة من حياتي وإيه تعلمات المرحلة لأني كنت دايماً مستعجلة إني أخلص اللي أنا بعمله وأول لما بخلص بدور على الحاجة اللي بعدها ونغير ما أقف وأقيم
نصيحتي لأي ست انك تعملي اللي إنتي بتحبيه ولازم تكوني مُلِمة بكل جوانب الحاجة اللي انتي بتعمليها على قد ما تقدري. لازم الواحد يجتهد عشان يبقى عارف المجال بتاعه كويس. ولما بتجتهدي في شغلك وبتكوني بجد عايزه حاجة ربنا بيسخرلك الناس والظروف علشان توصلي